
يا رب من حوالي ستين سنة كَشفت لي من خلال آية في الإنجيل* عن جزء بسيط من وجهك وهذا قلبني رأساً على عقب ومنذ ذلك الحين فإني ألتمس وجهك... أبحث عن وجهك... لم أُحسن البحث... بحثت بعناء وعَرَج، مُتعثراً، مُتخبطاً- سامحني يا رب - نعم، السماح، العفو، المغفرة- مازلت أبحث عن وجهك- لا تُخفي وجهك عني بعد ذلك.
"سوف نراه كما هو"- إني
أشتهي جمالك- أشتهي نورك- أشتهي...
جمال شائع- نور من وراء النور- جمالٌ
من حيث يأتي كل جمال- جمال الله-
نور من حيث يأتي كل نور- الله نور.
جمال الله في ابتسامة الطفل الصغير،
جمال الله في بشرة العجوز الذبلان
والمتجعد، هذا العجوز الذي كافح طول عمره،
جمال الله في أبسط بادرة صداقة- في
كلمة الحنان- جمالٌ لا نهائي.
"حيث الحبُ موجود فالله
موجود".
جمال الله في بريق قطرات الندى على
أعشاب القمح الحديث،
جمال الله في حجر الصحراء وزلط الطريق-
أيتها الحصوة المتواضعة الجدباء كم أنت جميلة!
جمال الله في تغريد العصافير،
جمال الله في شفافية وصفاء الجو، جمال
الله في الشمس والنهار الساطع،
جمال الله في عمق الليل-
"فبالنسبة لك يا رب الليلُ كالنهار والظلمة ضوء"
جمال الله في رقة الزهور، جمال الله في
قوة الشجر، وفروعها، وأوراقها، وزهورها، وثمارها، وقشرتها التي لا مثيل لها، جمال
الله الذي حفره الرب ذاته في عروق وعقود الخشب.
جمال الله في اليد ذات الآلاف من
الحركات، اليد التي ترسم، تلون، تحفر، تنحت، تنسج، تحبك، تعجن وتخبز- جمال يد
العمال والمهنيين والحرفيين- جمال اليد على آلة العزف، البيانو، القيثارة، العود
أو الناي- أداة خارقة لذهن الإنسان، مرآة جمال الله الخلاق!
جمالُ الجسد بشموله، كتلة مذهلة تُبرز
وتُطلق الذهن مرآة الجمال الإلهي
جسد المسيح، أيقونة جمال الرب- متى
سأرى وجهك يا يسوع؟
جمال الله في البحر والموج، في الأنهار
والجداول وفي فروع المياه الصغيرة- جمال المياه
"كما يشتاق الأيل إلى مجاري
المياه، كذلك تشتاق نفسي إليك يا إلهي...
متى سأذهب لأرى وجه الله؟"
وأنتم أيتها السحالي والأبراص الزاحفة،
العصافير الحاجلة، الهدهد الحافر في التربة، الغراب في العُلا
وأنتم يا فراشات، يا ذباب، يا ناموس،
يا نمل- أنتم كلكم أهل البيت.
يا لها من حياة- جمالُ الحياة- الجمالُ
الذي هو حياة.
يا رب لا تُخفي عني وجهك بعد الآن.
وأنتم يا شباب القرية، يا صغارهم وكبارهم،
وأنتم يا أهاليهم،- وأنتم جميعاً يا أصدقاء ويا جيران، كل منكم كنزُ فريدٌ، لا
يمكن استبداله، كل منكم مرآة جمال الله الذي وضعه على أرضنا. الجميع، أبناءُ الأب،
أحبابُ الأب. ما كان لدي شيء أفعلهُ في وسطكم غير أن أحبكم. والآن حيث يتقدم الوقت
وأصبح متأخراً، فأعترف أني لم أعرف أحبكم كما يجب، كما كان ينبغي- كما يُحب الله.
اغفر لي يا رب- وأنتم يا إخوتي، سامحوني، اغفروا لي.
يا رب، أنت هو الحب، أنت وحدك تُعلمنا
الحب، اسكب حبك في قلوبنا- حبك أنت- فلنحب بحبك أنت، من خلال حبك أنت، هذا الحب،
حبك، الذي تمنحه لنا حتى نمنحه لمن حولنا.
____________________
* يبدو
أن تكون هذه الآية من النص الإنجيلي (مرقس 9/ 30- 37) الذي اختاره بطرس نفسه
ليُقرأ في مراسم جنازته بقرية حجازة: "ثم أخذ يسوع بيد طفل فأقامه بينهم وضمه
إلى صدره وقال لهم: "من قبل واحداً من أمثال هؤلاء الأطفال إكراماً لاسمي فقد
قبلني أنا، ومن قبلني قبل الذي أرسلني".
No comments:
Post a Comment